عـآلمْ من أرض ~أندلُـسْ~

موضوع: عـآلمْ من أرض ~أندلُـسْ~ 17/8/2009, 5:48 pm

لفتة/ قصة ممتعة رغم طولها : )

مدخــل..}
فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ، قَالَ رَسُوُلُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَ سَلَّمْ: { مَا مِنْ مَوْلُودٍ إلَّا وُلِدَ عَلَى الْفِطْرَةِ أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ } ..

***

كانت دواوين التفتيش تنشر رعباً منقطع النظير بين العرب المسلمين آن ذاك ، فمن رجالٍ تشنق أو تُصلَّب في الطرقات ونساء تُبقر بطونهن أو يُعلَّقن من شعورهن حتى يموتوا مشوهين ، أو يعذبوا بطرقٍ وحشية كقلع أظافرهم أو تكوى أرجلهم وجنوبهم بالنار ، وتقطع أصابعهم وتشوى ثم توضع في أفواههم أو يُجلدوا حتى تناثر أوصالهم !!!
وكان العالم كله يشهد هذه المناظر ويستمتع بضعف المسلمين ونهبهم واغتصاب بناتهم ، واستعباد أبنائهم..

كُنت في ذلك الحين في العاشرة من عمري ، وكنت أرى أبي مضطربا حائراً كلما رجعت من المدرسة وأخبرته بمآ تعلمته من اللغة الإسبانية ، ومآ حفظته من الكتاب المقدس ، وكانت أمي تشيعني حينما تجهزني للذهاب إلى المدرسة ! كنت لآ أعلم عن سر هذه المعاناة التي يعيشهآ والديّ الحبيبين ..

ومضت الأيام تلو الأياموأنا أزداد حيرة وألما، حتى أورثتني هذه التصرفات مزاجا يختلف عن أمزجة الأطفال الذين كانو في عمري ؛ فكنت وحيداً في جلوسي ، حائر الفكر متألماً ، لآ يستهويني مرح الأطفال ولعبهم ومزاجهم ! كنت غارقاً الذهن أبحث عن سبباً مقنعاً لتصرفات والديَّ وحزنهما حينما يتأملان في عيني!!

كان لأبي غرفة في آخر البيت لا يدخلها إلا هو ، وكان يمكث فيها الساعات الطوال دون أن أعرف ما يصنع فيها . ثم يخرج منها متغير الوجه ، أحمر العينين كأنه بكى بكاءً طويلاً لفقد حبيب له أو وُتِرَ في أقرب الناس إليه! كآن ينظر إليّ بحزنٍ شديد ثم ينصرف عني دون أن يحدثني بشيء.

وفي ليلة عيدٍ من أعياد الأندلس، كانت غرناطة مبتهجة بحلتها الجديدة، ومشاعلها المتلألئة، وصلبانهآ المتعلقة، ومآذنها الجميلة، دعاني أبي في جوف الليل وجميع أهلي نيام، فقادني بيدي إلى غرفته الخاصة التي لا يدخلهآ سواه، حتى إذا توسط بي فيها وأغلق الباب، راح يتحسس السراج ليشعله، فأضاءت الغرفة التي أجهل كنهها، وتلفت حولي فلم أجد فيها إلا بساط صغير ورفًّ مرتفع فيه كتاب قديم، فأجلسني أبي على هذا البساط وأمعن النظر في عينيّ متأملاً والرعشة تملأني ، فلهذه الغرفة قداستها في بيتنا ، فلم يكن أحداً يجروء للدخول فيها !!

حتى أثاثها البسيط يبعث بالوحشة ، وكذا سكون الليل والناس نيام جعلني في رهبة غير منقطعة ، لكن أبي بادرني بابتسامة رحيمة ووضع يده على يديَّ وقال لي بهدوء غريب :

يابني ها قد بلغت العاشرة من عمرك وأصبحت رجلاً يُعتمد عليك، وإن في داخلي سراً أريدك أن تشآركني فيه ، وتكتمه معي في صدرك ، وتحبسه عن جميع من تعرف من الناس ؛ فإن إشارةً منك حول هذا السر ستودي بي إلى الجلآدين والقتلة من رجال " ديوان التفتيش"..!!

7

فانتفضت من هول ما قال حينما سمعته لفظ باسم ديوان التفتيش ، فقد كنت أرى ضحاياهم كل يوم تقريباً ، فشعرت بالخوف وحُبس لساني فلم أستطع الكلام ، وسكَتُّ فلم أجب .

فقال لي أبي : مآلك يابني ! ألا تستطيع أن تكتم سر أباك ؟
قلت : بلى .
فقال : تكتمه عن أمك وأخوتك وجميع أهلك وصحبك ؟
قلت : نعم .
فقال : اقترب مني يا بني ، وأعرني سمعك جيداً ، وأرهف حسك فإني لا أقدر أن أرفع صوتي خوفاً من أن يسمعني أحد ، أو أن يكون للجدران آذان فتفشي سري بي إلى رجال ديوان التفتيش فيحرقوني حياً ويُطعمون لحمي للسباع .

فاقتربت منه وقلت له : إني مصغٍ إليك ياأبتِ،وسأعي كل ما تقول .
فأحضر الكتاب من الرف ، وقال لي:هل تعرف هذا الكتاب؟

قلت: لا
فقال: هذا كتاب الله الذي أنزله على خير البشر .
قلت: الكتاب المقدس الذي أتى به يسوع ابن الله .
فقال في حنقٍ وتضجر : لا؛هذا هو القرآن الكريم الذي أنزله الله الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ،ولم يكن له كفواً أحد على خير من وطئت رجليه الثرى ، محمد بن عبد الله بن هاشم - النبي الأمي العربي - الذي أنقذ البشرية من ضلالاتها ، وأنار لها دروبها ، وأخرجهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام الذي لا عزَّ للأمم إلا به .

هذا كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد . كتاب الإسلام الذي شرعه الله للناس عامة ، فأتتنا تشريعاته من خير بقعة في الأرض خلال البحار وعبر الصحاري القفار ، أتتنا من مكة المكرمة على يدي رجالٍ جسدوا أروع الأخلاق في تعاملاتهم ، وجهادهم ، وحسن نصحهم للغير ، وإيثارهم على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ،فأناروا العقول قبل العيون ، وخاطبوا الإنسان في كل إنسان ، وبذلوا الغالي النفيس من روحٍ ومالٍ حتى كان الأنجم تستنير بهم ، وتتشرف للاطلاع عليهم ؛ ففتحوا أمصار المشرق و المغرب حتى وصلوا إلى هذه الديار ، وحاوروا ملكها وطلبوا منه أن ينشروا هذا الدين ، ويعلموا الناس الإسلام وتعاليمه ، ولكنه كان ملكاً ظالماً جائراً ، لا يريهم إلا مايرى ، ولا يهديهم سبيل الرشاد ، فألزموه على الزوال وإلا سيكون القتل مصيره ، فأصر على موقف الظلم واستعباد الناس ومعاملتهم بالحديد والنار ، فقتلوه وأبادوا الحكومة الظالمة ، وملكوا أمر هذه البلاد ، فعدلوا بين البشر وأحسنوا إليهم ، وأمنوهم على أرواحهم وأموالهم ، ومكثوا فيهم ثمانمئة سنة حتى جعلوها بلاداً غير البلاد !!

فواصلت في الرقي والتطور والتمدن إلى منتهى الأمور ، حتى أن العالم كله بات يحسدنا على جمال البنيان وروعة العلم والثقافة والاهتمام بالإنسان ..

فالعمرانوحده لا يُعدُّ تطوراً مالم يرتبط بروح الإنسان وعقله ..!!

نعم يآ بني ، نحن العرب مسلمين .

كان أبي يتحدث بفخر ، والدهشة تملأني ، والخوف يحيط بي ، فصحت به : ماذا ؟!!

نحن العرب المسلمين !!

قال : نعم يا بني ، وهذا هو السر الذي أردت منك أن تحمله معي وقد أفضيت به إليك . نعم؛ نحن العرب المسلمين ، نحن أصحاب هذه البلاد، ونحن من بنينا هذه الحضارة فصارت لعدونا الغادر ، نحن من رفعنا هذه المآذن ليعلو صوت الآذان " الله أكبر " ، نحن أنشأنا هذه المساجد ودور العلم التي أصبحت فيما بعد كنائس ، بل إن بعضهم جعلها حضائر لسنابك خيولهم بعد أن كانت الجباه تتعفر تقرباً بالسجود لله !!

نحن من شيد كل ما ترى من جسور وطرق حدائق ذات بهجة ، نحن روينا هذه الأرض بعَرَقِنا وبدمائنا فأصبح كل شبر فيه شاهداً على قبرٍ من قبور أجدادنا .

ولكـن

موضوع: رد: عـآلمْ من أرض ~أندلُـسْ~ 17/8/2009, 5:49 pm

ولكن منذ أربعين سنةٍ ؛ خُدع الملك أبو عبدالله الصغير ، آخر ملوكنا في هذه البلاد ، بوعود الإسبان وعهودهم ، فسلمهم مفاتيح غرناطة التي أخ1ها أجداده بالأرواح ، ومضى عبر بر المغرب وحيدا طريداً فريداً شريداً ليموت هناك ذُلاً وحسرة ، وكانو قد وعدونا نحن الشعب بالأمان والاستقرار والعدل والحرية والاستقلال الذي كنا نرفل في كنفه ، فلما ملكوا زمام الأمور ، وتقلدوا مقاليد الحكومة ، أصبحت كلمتهم نافذة وسطانهم الجائر قوي ، غدروا بنا ، وخانوا الأمانة ،وهتكوا الستر وأباحوا دماءنا واستحيوا نساءنا ، فكان الظلم هو الوسيلة الوحيدة التي يعاملونا بها !

فأنشؤوا ديوان التفتيش ، وأُدخِلنا في النصرانية قسراً ، وأُجبِرنا على ترك لغتنا إجبارا ، فأصبحنا نخشى في صلاتنا وتحدثنا بلغتنا كل شيء ، فنحن لا نقوى على ديوان التفتيش وطرق تعذيبه الرهيبة ، وقتله وصلبه لكل من يُعرف عنه الصلاة والحديث باللغة العربية ، حتى أن هناك أسراً كاملة تُباد لمجرد أنها تعلم أبنائها تعاليم الدين الإسلامي واللغة العربية .

هذا هو السر يابني ، فاحرص على كتمه ولا تعرضني للأذى ، لأني لا أريد أن أموت حتى أعلمك لغتك وأنقذك من براثن الكفر والنصرانيه إلى جنان الإسلام ونور الإيمان ، فقم الآن إلى فراشك يا بني ..

أصبحت أرى الأمور بغير ما كنت أراها في السابق ، وأضحت المعالم تحفر في نفسي وعقلي تأريخاً جديداً ، فما عادت غرناطة غرناطة التي أعرفها ، ولا الحمراء حمراء ، نظرت إلى الأمور بمنظارٍ مختلف عمَّا مضى ، تجسد في مخيلتي بُناتُ الأرض الحقيقين ؛ الذين غذَّوْها بدمائهم ومهجهم وأفاضوا عليها من المجد والجلال والعزة والرفعة الشيء الكثير ، الذين قالوا فأصغت الدنيا وسار الدهر على قولهم . كيف تقهقرت ياغرناطة والحمراء إلى أن وصلت على هذا المستوى من التدني؟
أبعد المآذن رضخت للنواقيس ؟!
أبعد الأئمة الفضلاء ألفت تخبط الرهبان ؟!

ولكني سرعان ماأعود إلى وعيي فأسرع إلى الدار أسابق الوقت لأحفظ درس العربية التي كان يعلمني إياه أبي ، فأتقنت الحديث بها وأجدت الكتابة بحروفها ، وتنقلت مع أبي إلى علوم الفقه والحديث وعلوم القران ، فأحببت تلك الغرفة التي كنت أهابها ، وكنت أقوم خلف أبي في الصلاة ، آخر الليل ، حتى بدت لي أجمل مكان آوي إليه في دارنا ، ومع هذا فإن الخوف مازال يتملكني من أن أزل بكلمة أو أتفوه بما يُفهِم الناس بأنني مسلم ، وكذا كان أبي شديد الحرص والخوف من أن أفشي هذا السر الذي تطير بكشفه الرقاب ، وتزهق من أجله الأرواح ، فكان يمتحنني من وقت لآخر، ويبعث لي أمي لتسألني ماذا يعلمك أبوك ، فأقول : لا شيء ، وكانت تحاول كثيراً أن تأخذ الخبر مني ، ولكني لم أعلمها بشيء .

فلما أتقنت علوم الدين وقواعد الفقه وفهمت كتاب ربي ، عرَّفني أبي بأخ له ، فكنا نجتمع نحن الثلاثة في عبادتنا وقرآننا .

إلى أن اشتد بعد ذلك بطش ديوان التفتيش ، وزاد تنكيله بأخوتي العرب المسلمين وبأسرهم وأبناءهم ، واستمر ذلك طويلاً ،

فقال لي أبي ذات يوم : إني أحس بشوق للشهادة على على أيدي أولئك الظلمة ، ولعل الله يرزقني الجنة فأفوز بها فوزاً عظيماً ، فلم يبق لي حظاً في هذه الدار بعد أن أخرجتك من ظلمات الكفر ، فإن أصابني أمر فأطع عمك هذا ولا تخالفه في شيء ، وامضي معه حيث يسير .

ولم تمضي سوى أيام قليلة حتى أتاني عمي يأمرني ويدعوني أن أذهب معه بعد أن يسر الله لنا سبيل الفرار إلى أرض المغرب بلد المسلمين ، وكلما قلت له : أبي و أمي ، أجد منه التعنيف ، وكان يشدني بقوة ويقول لي : ألم يأمرك أبوك بطاعتي ؟!

فأمضي معه صاغرآ حزيناً متألماً مغموماً ، حتى إذا بعدت بنا الشقة واحتوانا الظلام وأمنّا من جور العدو ، قال لي :

اصبر يا بني ؛ فقد كتب الله لوالديك المؤمنين السعادة على يد ديوان التفتيش .

فلمآ بلغ الغلام إلى بر المغرب ؛ عكف على العلم تعلماً وتعليماً ، فكان العــآلم المصنف

|| محمد بن عبد الرفيع الأندلسي ||

الذي نفع الله به وبمصنفآته..

{..مخـــرج

الصبِّيُّ أمانةٌ عند والديه ، وقلبه جوهرةٌ نفيسةٌ ساذجة وخالية من كل نقشٍ وصوورة ،
فإن عُوِّدَ الخير وعُلِّمَهُ نشأ عليه ،وسعد في الدنيا والأخرة،
وشاركه أبواه وكل مُعَلِّمٍ له ومؤدِّب..

| الغزآلي|

إنتهى..

كتآب أمتع القصص والأخبار لمحمد عمر باعثمان..

الكاتبه/
نسمه بعطائها&لاحُرمت الأجر والمثوبة

موضوع: رد: عـآلمْ من أرض ~أندلُـسْ~ 18/8/2009, 3:27 am

يصلم يصلمو

يا البي انت

احم احم
يا حظك
ياحظك بس
لاني اول من رد
هع

يسلمو مشكوووووووره يا بعدهم كلهم

موضوع: رد: عـآلمْ من أرض ~أندلُـسْ~ 21/8/2009, 6:40 pm

يـــــــــــــــــــــوه
:gfgd:
ولا مرة رديت الاولى
الجايت اكثر انشالله
يسلمو حلوة رغم طولها
وحده تقلد ههه اتعب وانا اقول حلوة
:43435: يالله تقبلي مروري

موضوع: رد: عـآلمْ من أرض ~أندلُـسْ~ 27/8/2009, 8:58 pm

حــيــاكــم الله,,

أسعدكم الله في الدارين

:ورده:

مشكووورة على القصة عـآلمْ من أرض ~أندلُـسْ~ 373442

العفو ياأحلى عضوه,, عـآلمْ من أرض ~أندلُـسْ~ 373442

الله يسعدكـ حبيبة قلبي على مروركـ وردكـ ,,
اللي أسعدني كثير,,

موضوع: رد: عـآلمْ من أرض ~أندلُـسْ~ 7/1/2010, 11:11 am

مشكووره قصــــــــــــه جدا رائعه

عـآلمْ من أرض ~أندلُـسْ~ 397738

دائما مبدعه في مواضيعك

تقبلي مروري

موضوع: رد: عـآلمْ من أرض ~أندلُـسْ~ 21/2/2010, 5:19 pm

الله يسلمك

شهادة أعتز فيها,,

الله يسعدك دنيا وآخره ,, على مرورك الرقيق
عـآلمْ من أرض ~أندلُـسْ~ 14723